مقدمةإن تعريف الحداثة لا يمكن إدراكه بسهولة ، فحتى رواد هذا التيار يعترفون بهلامية هذا المصطلح، بل يصرون على أنها ليست مصطلحا أصلا، وأن تعدد تياراتها وتنوع مشاربها يجعل من تحديدها بتعريف واحد ضربا من المستحيل. إلا أنهم يجمعون مع ذلك على سمت واحد يعد القاسم المشترك لمختلف طرقهم، وهو الانقطاع عن الماضي، بأي شكل كان هذا الانقطاع.أو بعبارة أخرى الحداثة هي "اتجاه فكري أشد خطورة من اللبرالية والعلمانية والماركسية ، وكل ما عرفته البشرية من مذاهب واتجاهات هدامة ، ذلك أنها تضمن كل هذه المذاهب الفكرية ، وهي لا تخص مجالات الإبداع الفني ، والنقد الأدبي ، ولكنها تخص الحياة الإنسانية في كل مجالاتها المادية والفكرية على حد سواء.والحقيقة أن مذهب العلمانية مذهب متشعب وكبير تدخل فيه العديد من المذاهب سواء السياسية أو بعض المذاهب الأدبية كالحداثة، والتي هي محور حديثنا في هذا الموضوع..ويعد الأدب انعكاسا لحياة الناس ولأفكارهم ومعتقداتهم.و هو جزء من الحياة العامة.لذا فإنه وجب أن ينضبط بالضوابط الشرعية فلا يخرج عن حدوده حتى لا يغدوا عاملا من عوامل الهذم و التشرد و الضياع. يقول كاتب فرنسي اسمه "هنري لوفيفر" مفسرا معنى الحداثة يقول:"هي ظل الثورة الغائبةهنا (يعني في فرنسا) القائمة هناك ( يعني في روسيا("وهذا يبين أن الحداثةمتأثرة بالفعل بالفلسفة الشيوعية في الثورة على الدين واعتباره أفيون الشعوب كمايقولون..
ولو نظرنا للغرب لوجدنا أنهم في الأدب الغربي يتلذذون حقيقة ويفرحون بالخروج على الله وعلى دينه وعندما يستهزئ بالأنبياء وعندما يسخر بالقيامة والجنةوالنار..ومهما ادعى الحداثيون العرب بأنهم مستقلون في أدبهم هذا إلا أنهم في الحقيقة مقلدين للغربيين في اتجاههم نحو التلذذ بسب الإله وسب الأديان والمطالبة بالتحرر منتقديس ذلك كله و ستلاحظون دالك من خلال نماذج من أشعارهم و كتاباتهم..
فالسخرية بالدين والجرأة على الله أمر واضح تماما في أدب الحداثيين وسنتطرق إلى بعض النماذج إن شاء الله تعالى في معرض حديثنا أو من خلال إدراج مستقل.يقول أحد الباحثين في معرض حديثه عن الحداثة كمنهج فكري يسعى لتغيير الحياة " إن من دعاوى أهل الحداثة أن الأدب يجب أن ينظر إليه من الناحية الشكلية والفنية فقط بغض النظر عما يدعوا إليه ذلك الأدب من أفكار ، وينادي به من مبادئ وعقائد وأخلاق ، فما دام النص الأدبي عندهم جميلا من الناحية الفنية ، فلا يضير أن يدعو للإلحاد أو الزنا أو اللواط أو الخمريات أو غير ذلك " (1) و من هنا فلا تستغرب عند سماعهم يتحدثون عن إبداع حر بدون رقابة أو وصاية(إسلامية أو رجعية كما يقولون) .يقول السريحي في كتابه(الكتابة في خارج الأقواس) : " وما ينبغي علينا إزاء هذه التقابل بين الرؤيا الفردية والرؤيا الجماعية هو أن نتحرر من الاحتكام إلى معيارية الخطأ والصواب" .(6) فالحداثة بهذا المفهوم الاصطلاحي هي:" اتجاه جديد يشكل ثورة كاملة على كل ما كان وما هو كائن في المجتمع)(2)ويقول د . عدنان النحوي " لم تعد لفظة الحداثة في واقعنا اليوم تدل على المعنى اللغوي لها ولم تعد تحمل في حقيقتها طلاوة التجديد ، ولا سلامة الرغبة ، إنها أصبحت رمزا لفكر جديد ، نجد تعريفه في كتابات دعاتها وكتبهم، و يحمل جذوره وأصوله من الغرب ، بعيدا عن حياة المسلمين بعيدا عن حقيقة دينهم ، ونهج حياتهم ، وظلال الإيمان والخشوع للخالق الرحمن " .(3)
وتؤكد الكاتبة سهيلة زين العابدين أن " الحداثة من أخطر قضايا الشعر العربي المعاصر لأنها أعلنت الثورة والتمرد على كل ما هو ديني وإسلامي وأخلاقي ، فهي ثورة على الدين على التاريخ على الماضي على التراث على اللغة على الأخلاق ، واتخذت من الثورة على الشكل التقليدي للقصيدة الشعرية العربية بروازا تبرز به هذه الصورة الثورية الملحدة " .(4)
ونحن في تعريفنا لمفهوم الحداثة لا نريد أن نتوقف عند ما قال به خصومها ، ولكن لا بد أن نتعرف عليه مما قال به أصحابها ومفكروها وسدنتها أيضا . يقول على أحمد سعيد الملقب بأدونيس وهو من رواد الحداثة العربية ومفكريها رابطا بينها وبين الحرية الماسونية : " إن الإنسان حين يحرق المحرم يتساوى بالله " . ثم يتنامى المفهوم الماسوني لكلمة الحرية إلى صيغته التطبيقية الكاملة في قوله " : إن التساوي بالله يقود إلى نفيه وقتله ، فهذا التساوي يتضمن رفض العالم كما هو ، أو كما نظمه الله والرفض هنا يقف عند حدود هدمه ، ولا يتجاوزها إلى إعادة بنائه ، ومن هنا كان بناء عالم جديد يقتضي قتل الله نفسه مبدأ العالم القديم ، وبتعبير آخر لا يمكن الارتفاع إلى مستوى الله إلا بأن يهدم صورة العالم الراهن وقتل الله نفسه "(5)
نستنتج مما سبق ان الحداثة ليست مصطلحا بريئا يمكن تجاهله بل هو فكر غربي مستورد، بل هو دين وثني له آلهة و شيوخ ومريدين وسنتعرف اكتر على آلهتهم و شيوخهم و فتاويهم في الادراج القادم ان شاء الله تعالى .
******************************************